الربيع العربي يغيّر المعادلة مع إسرائيل

د. علي الخشيبان

إسرائيل التي تعيش منتصف عقدها السابع كدولة محتلة للأرض الفلسطينية أصبحت اليوم أمام أسئلة محورية حول علاقتها بالعرب من حولها وخاصة أن حماس التي تتربع سياسياً وأمنياً على قطاع غزة أصبحت تتحدث لغة أقوى مع إسرائيل بل أصبحت تمتلك أسلحة أكثر وصولاً إلى تل أبيب: فهل تغيرت مفاهيم السياسة بين العرب وإسرائيل بطريقة متسارعة مع الربيع العربي..؟.

اليوم إسرائيل تنفخ بالون اختبار وبنفس الوقت تمنح الغرب فرصة لإعادة التفكير حول دعمه للجماعات الإسلامية السياسية وليس الجهادية وخاصة التي وصلت للحكم في دول الثورات العربية، بل تحاول وسوف تستميت لتقطع الطريق على وصول الإخوان المسلمين للحكم في سوريا وهذا ما يفسر تلك التصريحات الغربية حول سوريا، أيضا حماس من جانبها تقيس كمية التغير الذي طرأ على العالم من حولها بعد ثورات الربيع العربي وتختبر درجة الدعم لها.

الفلسطينيون اليوم يصلون بكل سهولة إلى كل مكان في إسرائيل كما يبدو فلديهم صواريخ لا تتعدى تكاليفها المالية أكثر من مائتي دولار بينما تعترضها إسرائيل بصورايخ عبر مشروعها الدفاعي (القبة الحديدية) حيث يكلف كل صاروخ منها ما يقارب خمسين ألف دولار، هذه المعادلة الاقتصادية مخيفة ومقلقه لإسرائيل وهي تدفع اليوم ثمن التحولات التي حدثت في دول الربيع العربي ليبقى السؤال المهم كيف سيغير الربيع العربي معادلة القوة مع إسرائيل..؟

للمرة الأولى تشعر إسرائيل بخوف كبير من هجومها على غزة بمحاولتها فتح جبهة خلاف بين مواطني غزة وبين حركة حماس وأجنحتها العسكرية، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو في خطابة الخميس الماضي ظهر مستدراً عطف العالم مبرراً فعلة إسرائيل بأنها دفاع عن أطفال فلسطين وهذه اللغة لم تعد مؤثرة بالشكل المطلوب كما كانت سابقا فالواشنطن بوست نشرت صورة لطفل فلسطيني قتل في غزه جراء الغارات الإسرائيلية وذلك بعد خطاب رئيس وزراء إسرائيل بأيام.

الولايات المتحدة الأمريكية اليوم وشعبها وإعلامها هل هي تحاول أن تتعامل مع لعنتها الدائمة إسرائيل بشكل مختلف ولو كان ذلك على مضض بعد أن أدرك الغرب الأوروبي أن لغة الدفاع المطلق عن إسرائيل لم تعد ذات جدوى سياسية.

المعادلة اليوم تتعرض للتغيير فالشعوب أصبحت ذات كلمات واضحة ومطالبات محددة والشعوب العربية مستعدة لإيقاف مطالبتها عن تحقيق التحولات السياسية في بلدانها إذا كان ذلك في مقابل دعمها لفلسطين وشعبها فمهما كانت القوة الإسرائيلية متفوقة فلن تكون هي الحاسمة بشكل نهائي لأن إسرائيل تدرك أنها مهما كانت قوتها فهي لن تستطيع الدخول في حرب مباشرة مع العرب والمسلمين ولو كانوا يحاربونها بالعصي بدل البنادق ولذلك فإن إسرائيل ترى أن مسارها السياسي يمر بمرحلة تغير فرضتها الثورات العربية ولذلك هي ستبذل كل الجهود الجبارة لإيقاف الصورة الإسلامية التي فرضتها الثورات العربية.

إسرائيل سوف تدفع ثمن اتهامها لكل عمليات المقاومة ووصفها لها بالإرهاب بعدما كان الإرهاب سمة سلبية ألصقت بالمسلمين لكن اليوم ليست هذه اللغة مقبولة فحتى إسرائيل أدركت أن استخدام مصطلح "إرهاب " للمقاومين لن يكون مفيداً في سبيل تحقيق مطالبها لذلك نلحظ أن نفخ الكير بين منظمة التحرير ومنظمة حماس أصبح شغل إسرائيل الشاغل بل إن قائد الجيش الإسرائيلي خرج على إحدى القنوات الفضائية محرضاً سكان غزة ضد قياداتها وهذه اللغة لابد أنها مؤشر كبير على أزمة إسرائيلية تعكس ارتباكاً في الأهداف.

مصطلح الإرهاب لم يعد فاعلاً فقد أوشك مفعول هذا المصطلح على النهاية مع الثورات العربية وأصبح الخطاب الإسرائيلي موجهاً للشعوب العربية والإسلامية مباشرة ولكن هذا لن يفيد طويلاً ولن تنجح إسرائيل في مهمتها ضد الفلسطيني إلا في حالة واحدة وهي اكتشاف أن حماس السنية تتحالف مع إيران وحزب الله هناك فقط سوف تكتشف إسرائيل كنزاً سياسياً مهيباً يجعلها قادرة على اقتسام الرأي واتجاهاته بين المسلمين من الطوائف السنية والشيعية.

الدول العربية اليوم تدين ما فعلته إسرائيل بشدة وبطريقة أكثر حدة ولكن الجديد في الأمر هو موقف الشعوب العربية وقدرتها على تحديد مواقف سياسية تتجاوز تحفظات الدول ونهجها السياسي فقد تعلمت الشعوب العربية من خلال استخدام قنوات التواصل الاجتماعي كيف تشكل آراء سياسية تتداولها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وهي بلا شك عمليات مؤثرة على الحكومات العربية سواء تلك التي يحكمها إسلاميون أو غيرها.

القضية الفلسطينية قضية مشتركة بين العرب جميعاً ولذلك يسهل صناعة أمواج صحفية تجتاح العالم كله بما فيها الداخل الإسرائيلي فأصبحت الشعوب العربية تتحاور مع المسئولين الإسرائيلين عبر التويتر والفيسبوك بكل جراءة وهذا بالتأكيد له أثر كبير وخير شاهد لذلك تلك الحوارات التويترية مع المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية مباشرة.

إسرائيل لم يعد لديها الكثير من خيارات القوة بل لم تعد قادرة على فرض القوة ولن تتعالى على الحل السلمي وإقامة الدولتين ولكن بشرط أن تدرك أن ذلك هو الطريق الصحيح لبقائها موجودة وغير قلقة على نفسها مهما كانت قوة إسرائيل العسكرية فإنها لن تكون في أمان.

على إسرائيل أن توقف سلسلة الاغتيالات وعليها أن تكسب الفلسطينيين بالحوار السياسي وضمان الحياة للشعب الفلسطيني وحقه في العيش، فهذه هي المعادلة الوحيدة التي تلوح في الأفق أما خلاف ذلك فإن عملية الرصاص المصبوب التي قتلت فيها إسرائيل أكثر من ألف وأربعمائة فلسطيني لن تكون متاحة لأن الفلسطينيين أصبح لديهم القدرة على أن يكونوا مختلفين هذه المرة وأن يفرضوا ما يريدون.

إسرائيل اليوم ليست حرة لتفعل ما تريد فالمعادلة تغيرت بشكل كبير، والداعمون غيروا مواقفهم ومعاهدات إسرائيل في المنطقة قد تصبح عرضة للنقض والانهيار لأن العالم العربي اليوم تغير ومعادلة القوة تفرض الحل السياسي بدلاً من الحلول العسكرية المعتادة فهل نشهد خلال السنوات القادمة تراجعاً في مفهوم القوة الإسرائيلية لدى العالم وبين الشعوب العربية..؟.