د.عبد الجواد حجاب يكتب المتاهة

من طرف **نشات الريس** الثلاثاء يونيو 12, 2012 9:03 am

نعم دخلنا فى متاهة كبيرة، تشبه مغارة أو متاهة على بابا والأربعين حرامى، دخلنا فى متاهة سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة جدا، وأصبحنا على وشك الانهيار والفوضى.

دخولنا فى هذه المتاهة، لم يكن وليد الصدفة ولكنه كان بتدبير محكم من رموز النظام المخلوع المقيمين فى فنادق أقصد سجون مصر، بعد تطويرها لتلائم مقامات المقيمين فيها، والقائمون على التنفيذ هم بقاياهم التى تتحرك وتجتمع وتدفع المليارات لتأجيج الثورة المضادة منذ اليوم الأول لاستلام المجلس العسكرى الشريف دفة إدارة البلاد.

هذه الثورة المضادة كل همها وأهدافها تتمثل فى زعزعة إيمان الشعب المصرى العظيم، بمبادىء ثورته السلمية. بدأت المتاهة بتحول أركان ورموز النظام الفاسد إلى ملائكة تؤمن بالقانون والثورة وفى نفس الوقت تحريك طيور ظلامها فى إحداث بلطجة وأعمال قتل من أى طرف، المهم القتل واصطناع أزمات فى كل مكان، وخاصة فى السلع الاستراتيجية من خبز وسكر ومحروقات.

وانظروا إلى الشوارع المكدس بها أكوام الزبالة لدرجة أن الشعب المصرى أصبح الآن يعيش داخل صفائح من الزبالة.

انظروا إلى تردى الأوضاع الصحية والتعليمية والخدماتية للمواطنين لتعرفوا ماذا فعلت بنا هذه الفلول.

متاهة أوصلتنا إلى انتخابات برلمانية مشكوك فى دستورية قانونها وانتخابات رئاسية بها ما بها من عوار دستورى، فكان مجلس الشعب المنتخب مرتبكا من اللحظة الأولى وفاقد لزمام المبادرة، ثم صراع رهيب بين القوى السياسية، وصراع على غير العادة بين سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية.

هذه المتاهة أدت إلى براءة القتلة، قتلة الثوار والأدهى من ذلك أن الثوار أنفسهم متهمون بقتل زملائهم الثوار، وكأننا لم نشاهد على شاشات التليفزيون أحداث قتل الشرطة للمتظاهرين وأحداث موقعة الجمل وأحداث محمد محمود وغيره وغيره.

القضاء المصرى عادل ونشك أبدا فى نزاهته، ولكن ما يغضبنى حقيقة، هو تضليل القضاء وإخفاء الأدلة، كما أقر بذلك القضاء والنيابة.

متاهة تحاول إقناعنا، وتوصيلنا إلى بؤرة التنافس الأساسية قبل الثورة، وهى التنافس والصراع بين الإخوان والحزب الوطنى.

هم يريدون منا أن نصدق ذلك، وتناسوا أن الإخوان فصيل وطنى شارك فى الثورة والحزب الوطنى، تم حله بسبب فساد أعضائه بأحكام قضائية.

متاهة تريد أن تقول إن حسنى مبارك، ذهب مع الريح، ولكننا غير مسئولين عن أفعاله، وهم فى هذه كاذبون لأنهم هم صناع الديكتاتور والمسئولية، التى تقع عليهم أكبر من المسئولية التى يتحملها الديكتاتور، الذى صنعوه بالإعلام المضلل.

الحقيقة أن المشكلة ليست فى الرئيس المخلوع المشكلة حقيقتها تقع على عاتق دولة المخلوع، وأقصد بها دولة الفساد والتزوير والإعلام المضلل وكان ذلك هو نداء الملايين فى ثورة يناير الشعب يريد إسقاط النظام.
الرئيس ووزراؤه هم قشرة الفساد والاستبداد، ولكن النواة التى صنعت الديكتاتور، وشجعت على الفساد وسهلت التزوير، ومهدت للتوريث ويعمل لصالح هذه النواة الأم الآلاف بل عشرات الآلاف من الإعلاميين ورجال الأمن وأعضاء الحزب المنحل وكل قيادات الصف الأول فى جميع دوائر ودواوين الدولة كل هؤلاء هم المطلوب إزاحتهم الآن من طريق الثورة الشعبية السلمية.

هذه هى الحقيقة ولكن المتاهة جاءتنا بعكس ما طالبنا به، وبعكس ما نريد ونشتهى الآن نحن على وشك سماع نبأ فوز مرشح الثورة المضادة، وأقرب المقربين من الرئيس وأبنيه.

هذا ما أوصلتنا إليه المتاهة التى اعتمدت على دعاية الحياد والعدالة والديموقراطية، ثم بالقليل من ألاعيب شيحة التى تعودناها من النظام السابق، شراء الأصوات والدعاية المضللة وببعض المساعدات من أركان هذا النظام يمكن أن نعلن فوز مرشح الفلول نعم ستشتعل النيران، ولكن الله غالب على أمره هذا قدرنا سندخل فى مرحلة أخرى، أكثر فوضوية ومعقدة ومليئة بالعنف وربما دماء جديدة ونتائجها لا تبشر بالخير، هذه كلها نتائج متوقعة للمتاهة.

هذه هى متاهة التخبط والارتباك والضبابية والانقسام، وكل ذلك لابد بفعل فاعل، وليس وليد الصدفة. هذه المتاهة لن يدفع ثمنها من نهب أموال الشعب أو من استولى على أراضيه ومصانعه بأبخس الأسعار أو كبار رجال الدولة بل الذى سيدفع الثمن أكيد هو الشعب المسكين الفقير، سيدفع من دمه وصحته ومستقبل أبنائه.

وضع عجيب أنا مش قادر أفهمه أو أستوعبه مرحلة انتقالية تؤدى بنا إلى مرحلة أكثر فوضوية حياد وعدالة ضيعت حقوق الشهداء وعودة نظام الفساد من جديد، وعودة للاستبداد وفتح السجون وربما نصب المشانق للثوار الشرفاء والمناضلين من أبناء هذا الشعب.

وضع عجيب مرحلة انتقالية تتسلم الحكم من مبارك لتعيده إلى أبناء مبارك ما هذا الهراء.

مرحلة انتقالية تبدأ ببناء المؤسسات وتنتهى بإعادة هدمها أيضا بالقضاء ما هذا الهراء، مرحلة انتقالية تبدأ بمحاكمة قتلة الثوار وتنتهى بالتهديد بمحاكمة الثوار أنفسهم ما هذا الهراء. مرحلة انتقالية لتخرجنا من الفوضى السياسية إلى الوحل السياسى، هذا هو ما يبشرنا به المرشح المستقل آخر رئيس وزراء لمبارك المخلوع وآخر مسئول طرده الميدان من موقعه، والطامح فى أن يكون أول رئيس لمصر بعد الثورة.

هذه المتاهة عادت بالشعب مرة أخرى إلى الميادين والسبب معروف محاولات القفز على السلطة، من قبل قوى لا يريدها الشعب ونادى الشعب مرارا بضرورة التخلص منها بهتاف التطهير.

كل العالم يستشعر معنا تلاشى المبادىء الثورية فى آخر أيام المرحلة الانتقالية، الكثير من مفكرى العالم يتخوفون من حدوث مجازر فى الشوارع بعد انتهاء المرحلة الانتقالية بتلاشى المبادىء الثورية والرجوع عنها.

بصراحة لا نريد هذا الحياد ولا هذه العدالة إذا كان ممن دعم الفساد ونادى بالتوريث ومارس التزوير مهما كان موقعه سياسيات أو سياديا أو قضائيا أو تشريعيا أو عفاريتيا.

كل ما نريده تحقيق أهداف الثورة عيش حرية عدالة وكرامة. نريد استمرار مصر أرض الكنانة فى طريق الإصلاح لكل ما أفسده الفاسدون طريق استرجاع أموال وممتلكات الشعب طريق بناء مؤسسات ديموقراطية حقيقية طريق وضع دستور جديد لمصر الجديدة. واثق فى النهاية فى انتصار الثورة واستمرارها وما النصر إلا من عند الله.